كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الضحاك وأبو عبيدة: جمع حساب، كشهاب وشهبان.
قال ابن عباس وأبو مالك وقتادة: لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروج، وغير ذلك حسبانات شتى.
وقال ابن زيد: لولا الليل والنهار لم يدر أحد كيف يحسب شيئًا يريد من مقادير الزمان.
وقال مجاهد: الحسبان: الفلك المستدير، شبهه بحسبان الرحى، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة.
وارتفع الشمس على الابتداء وخبره بحسبان، فأما على حذف، أي جري الشمس والقمر كائن بحسبان.
وقيل: الخبر محذوف، أي يجريان بحسبان، وبحسبان متعلق بيجريان، وعلى قول مجاهد: تكون الباء في بحسبان ظرفية، لأن الحسبان عنده الفلك.
ولما ذكر تعالى ما أنعم به من منفعة الشمس والقمر، وكان ذلك من الآيات العلوية، ذكر في مقابلتهما من الآثار السفلية النجم والشجر، إذ كانا رزقًا للإنسان، وأخبر أنهما جاريان على ما أراد الله بهما، من تسخيرهما وكينونتهما على ما اقتضته حكمته تعالى.
ولما ذكر ما به حياة الأرواح من تعليم القرآن، ذكر ما به حياة الأشباح من النبات الذي له ساق، وكان تقديم النجم، وهو مالا ساق له، لأنه أصل القوت، والذي له ساق ثمره يتفكه به غالبًا.
والظاهر أن النجم هو الذي شرحناه، ويدل عليه اقترانه بالشجر.
وقال مجاهد وقتادة والحسن: النجم: اسم الجنس من نجوم السماء.
وسجودهما، قال مجاهد والحسن: ذلك في النجم بالغروب ونحوه، وفي الشجر بالظل واستدارته.
وقال مجاهد أيضًا: والسجود تجوز، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل.
والجمل الأول فيها ضمير يربطها بالمبتدأ، وأما في هاتين الجملتين فاكتفى بالوصل المعنوي عن الوصل اللفظي، إذ معلوم أن الحسبان هو حسبانه، وأن السجود له لا لغيره، فكأنه قيل: بحسبانه ويسجدان له.
ولما أوردت هذه الجمل مورد تعديد النعم، رد الكلام إلى العطف في وصل ما يناسب وصله، والتناسب الذي بين هاتين الجملتين ظاهر، لأن الشمس والقمر علويان، والنجم والشجر سفليان.
{والسماء رفعها}: أي خلقها مرفوعة، حيث جعلها مصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين ينزلون بالوحي على أنبيائه، ونبه بذلك على عظم شأنه وملكه.
وقرأ الجمهور: {والسماء}، بالنصب على الاشتغال، روعي مشاكلة الجملة التي تليه وهي {يسجدان}.
وقرأ أبو السمال: {والسماء} بالرفع، راعى مشاكلة الجملة الابتدائية.
وقرأ الجمهور: {ووضع الميزان}، فعلًا ماضيًا ناصبًا {الميزان}، أي أقره وأثبته.
وقرأ إبراهيم: {ووضع الميزان}، بالخفض وإسكان الضاد.
والظاهر أنه كل ما يوزن به الأشياء وتعرف مقاديرها، وإن اختلفت الآلات، قال معناه ابن عباس والحسن وقتادة، جعله تعالى حاكمًا بالسوية في الأخذ والإعطاء.
وقال مجاهد والطبري والأكثرون: {الميزان}: العدل، وتكون الآلات من بعض ما يندرج في العدل.
بدأ أولًا بالعلم، فذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن؛ ثم ذكر ما به التعديل في الأمور، وهو الميزان، كقوله: {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان}، ليعلموا الكتاب ويفعلوا ما يأمرهم به الكتاب.
{أن لا تطغوا في الميزان}: أي لأن لا تطغوا، فتطغوا منصوب بأن.
وقال الزمخشري: أو هي أن المفسرة.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن تكون أن مفسرة، فيكون تطغوا جزمًا بالنهي.
انتهى، ولا يجوز ما قالاه من أن أن مفسرة، لأنه فات أحد شرطيها، وهو أن يكون ما قبلها جملة فيها معنى القول.
{ووضع الميزان} جملة ليس فيها معنى القول.
والطغيان في الميزان هو أن يكون بالتعمد، وأما مالا يقدر عليه من التحرير بالميزان فمعفو عنه.
ولما كانت التسوية مطلوبة جدًا، أمر الله تعالى فقال: {وأقيموا الوزن}.
وقرأ الجمهور: {ولا تخسروا}، من أخسر: أي أفسد ونقص، كقوله: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} أي ينقصون.
وبلال بن أبي بردة وزيد بن علي: تخسر بفتح التاء، يقال: خسر يخسر، وأخسر يخسر بمعنى واحد، كجبر وأجبر.
وحكى ابن جني وصاحب اللوامح، عن بلال: فتح التاء والسين مضارع خسر بكسر السين، وخرجها الزمخشري على أن يكون التقدير: في الميزان، فحذف الجار ونصب، ولا يحتاج إلى هذا التخريج.
ألا ترى أن خسر جاء متعديًا كقوله تعالى: {خسروا أنفسهم} و{خسر الدنيا والآخرة}؟ وقرئ أيضًا: {تخسروا}، بفتح التاء وضم السين.
لما منع من الزيادة، وهي الطغيان، نهى عن الخسران الذي هو نقصان، وكرر لفظ الميزان، تشديدًا للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه.
ولما ذكر السماء، ذكر مقابلتها فقال: {والأرض وضعها للأنام}: أي خفضها مدحوة على الماء لينتفع بها.
وقرأ الجمهور: {والأرض} بالنصب؛ وأبو السمال: بالرفع.
والأنام، قال ابن عباس: بنو آدم فقط.
وقال أيضًا هو وقتادة وابن زيد والشعبي: الحيوان كله.
وقال الحسن: الثقلان، الجن والإنس.
{فيها فاكهة}: ضروب مما يتفكه به.
وبدأ بقوله: {فاكهة}، إذ هو من باب الابتداء بالأدنى والترقي إلى الأعلى، ونكر لفظها، لأن الانتفاع بها دون الانتفاع بما يذكر بعدها.
ثم ثنى بالنخل، فذكر الأصل ولم يذكر ثمرتها، وهو الثمر لكثرة الانتفاع بها من ليف وسعف وجريد وجذوع وجمار وثمر.
ثم أتى ثالثًا بالحب الذي هو قوام عيش الإنسان في أكثر الأقاليم، وهو البر والشعير وكل ما له سنبل وأوراق متشعبة على ساقه، ووصفه بقوله: {ذو العصف} تنبيهًا على إنعامه عليهم بما يقوتهم من الحب، ويقوت بهائمهم من ورقه الذي هو التبن.
وبدأ بالفاكهة وختم بالمشموم، وبينهما النخل والحب، ليحصل ما به يتفكه، وما به يتقوت، وما به تقع اللذاذة من الرائحة الطيبة.
وذكر النخل باسمها، والفاكهة دون شجرها، لعظم المنفعة بالنخل من جهات متعددة، وشجرة الفاكهة بالنسبة إلى ثمرتها حقيرة، فنص على ما يعظم به الانتفاع من شجرة النخل ومن الفاكهة دون شجرتها.
وقرأ الجمهور: {والحب ذو العصف والريحان}، برفع الثلاثة عطفًا على المرفوع قبله؛ وابن عامر وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بنصب الثلاثة، أي وخلق الحب.
وجوزوا أن يكون {والريحان} حالة الرفع وحالة النصب على حذف مضاف، أي وذو الريحان حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه؛ وحمزة والكسائي والأصمعي، عن أبي عمرو: والريحان بالجر، والمعنى: والحب ذو العصف الذي هو علف البهائم، والريحان الذي هو مطعم الناس، ويبعد دخول المشموم في قراءة الجر، وريحان من ذوات الواو.
وأجاز أبو علي أن يكون اسمًا، ووضع موضع المصدر، وأن يكون مصدرًا على وزن فعلان كاللبان.
وأبدلت الواو ياء، كما أبدلوا الياء واوًا في أشاوى، أو مصدرًا شاذًا في المعتل، كما شذ كبنونة وبينونة، فأصله ريوحان، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، كما قالوا: ميت وهين.
ولما عدد تعالى نعمه، خاطب الثقلين بقوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}، أي أن نعمه كثيرة لا تحصى، فبأيها تكذبان؟ أي من هذه نعمه لا يمكن أن يكذب بها.
وكان هذا الخطاب للثقلين، لأنهما داخلان في الأنام على أصح الأقوال.
ولقوله: {خلق الإنسان}، و{خلق الجان}؛ ولقوله: {سنفرغ لكم أيها الثقلان}، وقد أبعد من جعله خطابًا للذكر والأنثى من بني آدم.
وأبعد من هذا قول من قال: إنه خطاب على حد قوله: {ألقيا في جهنم} ويا حرسيّ اضربا عنقه، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين، فبأي منونًا في جميع السورة، كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه {آلاء ربكما} بدل معرفة من نكرة، وآلاء تقدم في الأعراف أنها النعم، واحدها إلى وألا وإلى وألى.
{خلق الإنسان}: لما ذكر العالم الأكبر من السماء والأرض وما أوجد فيها من النعم، ذكر مبدأ من خلقت له هذه النعم، والإنسان هو آدم، وهو قول الجمهور.
وقيل: للجنس، وساغ ذلك لأن أباهم مخلوق من الصلصال.
وإذا أريد بالإنسان آدم، فقد جاءت غايات له مختلفة، وذلك بتنقل أصله؛ فكان أولًا ترابًا، ثم طينًا، ثم حمأ مسنونًا، ثم صلصالًا، فناسب أن ينسب خلقه لكل واحد منها.
والجان هو أبو الجن، وهو إبليس، قاله الحسن.
وقال مجاهد: هو أبو الجن، وليس بإبليس.
وقيل: الجان اسم جنس، والمارج: ما اختلط من أصفر وأحمر وأخضر، أو اللهب، أو الخالص، أو الحمرة في طرف النار، أو المختلط بسواد، أو المضطرب بلا دخان، أقوال، ومن الأولى لابتداء الغاية، والثانية في {من نار} للتبعيض.
وقيل للبيان والتكرار في هذه الفواصل: للتأكيد والتنبيه والتحريك، وهي موجودة في مواضع من القرآن.
وذهب قوم منهم ابن قتيبة إلى أن هذا التكرار إنما هو لاختلاف النعم، فكرر التوقيف في كل واحد منها.
وقرأ الجمهور: {رب}، و{رب} بالرفع، أي هو رب؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بالخفض بدلًا من {ربكما}، وثنى المضاف إليه لأنهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما، قاله مجاهد.
وقيل: مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما.
وعن ابن عباس: للشمس مشرق في الصيف مصعد، ومشرق في الشتاء منحدر، تنتقل فيهما مصعدة ومنحدرة. انتهى.
فالمشرقان والمغربان للشمس.
وقيل: المشرقان: مطلع الفجر ومطلع الشمس، والمغربان مغرب الشفق ومغرب الشمس.
ولسهل التستري كلام في المشرقين والمغربين شبيه بكلام الباطنية المحرفين مدلول كلام الله، ضربنا عن ذكره صفحًا.
وكذلك ما وقفنا عليه من كلام الغلاة الذين ينسبون للصوفية، لأنا لا نستحل نقل شيء منه.
وقد أولغ صاحب كتاب التحرير والتحبير بحسب ما قاله هؤلاء الغلاة في كل آية آية، ويسمي ذلك الحقائق، وأرباب القلوب وما ادعوا فهمه في القرآن فأغلوا فيه، لم يفهمه عربي قط، ولا أراده الله تعالى بتلك الألفاظ، نعوذ بالله من ذلك.
{مرج البحرين}: تقدم الكلام على ذلك في الفرقان.
قال ابن عطية: وذكر الثعلبي في مرج البحرين ألغازًا وأقوالًا باطنة لا يلتفت إلى شيء منها.
انتهى، والظاهر التقاؤهما، أي يتجاوزان، فلا فصل بين الماءين في رؤية العين.